بمجرد إعلان النظام بدْءَ إنهاء اللعبة تبدَّد عيسى، تلفتُّ حولي باحثًا عنه، متجاهلًا بوادر الفقد التي أدركت، ناديتُه، بدأت أتحركُ كالمجنون وأنا أردد: “لا يمكن، لم يبق لي غيره، إنه يُلاعبُني وخلال لحظات سيظهر”، لكن عقلي همس لي “لن يَظهر، يُفترض أنكَ فهِمت!”.
تجمَّدتُ مكاني لبُرهة، ثم جريتُ عابرًا الممر، مُتجهًا إلى الغرفة البيضاء، حيث أملوا عليَّ تعليماتهم أول مرة. هناك، صرخت باسمه مُترجيًا إياه ليُنهي لعبة الاختباء، فلم أسمع سوى صوت أنفاسي اللاهثة، وشعرتُ بالعرق يثقلُ جبيني، وبألمٍ أنَّت له قدماي فقاومته. هداني تفكيري إلى أنه سبقني بالهرب، فتابعتُ آملًا لقاءه عند الخروج. عبرتُ الباب الزجاجي المجاور للشاشة كما أملى عليَّ سابقًا، فأبصرتُ غرفة شحيحة الضوء، خُيَّل إلي أني أعرفِها، لكني نحيتُ الفكرة كيلا أستبق الأحداث. خطوتُ إلى حيثُ يوجد السُّلم كما أذكر، صعدته، فتحتُ الباب أعلاه، وإذ بي في حُجرة المكتب! تعالت ضحكاتي لتفوق ضجيج الأصوات المتناحِرة بعقلي، ارتميتُ على الكُرسي لفترة راجعتُ فيها ما حدث منذ ظهور عيسى، وأخيرًا فهمتُ دوره، كان مجرَّد موجهٍ لي لأنهي اللعبة، لكن لماذا؟!
لحظتها، انعكست على عينيَّ إضاءةٌ من الصالة، فتحركت تجاه مصدرها، حيث ظهرت لوحة البروفيسور فاضل الأثيرة ذات الوجوه المشوهة، تسمَّرتُ أمامها، مرَّرتُ يدي عليها فارتجفت، ثم أمعنُت النظر إلى كل الوجوه وهي تتلاشى، إلا ذي الفم المفتوح، الذي يُمثلني، فبدا كأنه يصرخُ ما حُمِّله من إرث الذنب. عندها حضرتني كل التَّفاصيل، والآن أعي تمامًا أنَّ كل وجهٍ مشوَّه يخصُّ جزءًا في روحي، وكلَّ ظلٍّ قابلته تمثيلٌ لسطوة شعور ما. لم تكن اللعبةُ متاهة، فالتيهُ نبعَ من داخلي، والخوفَ سيطرَ عليَّ فصرتُ فريسةً سهلةً لألاعيبه. وفجأة تردد بذهني ما نطَق النظام حين حللتُ اللغز: “كلُّ بيانات التجرِبة وما يتصل بها حُذِف من وعي العينات!”.
لماذا إذًا لا تغيبُ عني تفصيلةٌ واحدة! أكادُ أجنّ، أيُعقل أنه خطَّط لما أفكِّرُ فيه!
أخيرًا نشط عقلي وبدأت أبصرُ ما أغفلته، يا لحُمقي!
لقد ردَّد النظام قبل بدء الجولات:
“كلَّ من يعلمُ بالمغامرة يصبح جزءًا منها، إما أن يواجِه لُغزه الخاص، الذي أثارت كلُّ جولةٍ ظلَّ أجزاءه، أو ألا يجرؤ. وفي الحالتين، سيتحمل العواقب!”.
هو قد جهَّز كل شيء، ليس فقط لأنهي اللعبة، بل ليضعني في اختبارٍ جديد، وإلا لمَ بقيَ كل شيءٍ بذهني! اختباري الحقيقي يبدأ الآن، فإما أن أكملُ جنونه وأعيدُ التجربة، أو أمارس عبثي الخاص، والذي لا أعرف إلام يُفضي..
****
اترك تعليقاً