“ولكن لماذا وجهت الاتهام الي السيد مصطفي”.

تتحاشي النظر الي مصطفي قائلة:

“لأنه كان اقرب زبون اليّ، وأقلهم اهمية، لم اكن اعرف انه ستثار كل هذه الضجة بسبب اسمه ومهنته، وقد ادركت خطأي واحسست بالذنب لسجنه، ارجو فقط ان يسامحني”.

أُطلق سراحه، عاد الي بيته غير قادر علي إدراك ما حدث، اصبح معزولا ومنبوذا ولم يهتم، لأسابيع راجع كل ما حدث امسك مخطوطة  كتابه، راجع آلاف المصادر الملاحظات.

  • أين الخطأ؟!

حاولت زينه مرارا ان تخرجه من غرفة مكتبه، تحاوره، كانت تشعر بما يدمره، وكانت تراه يبتعد عنها، ينعزل داخل عقله وكان ينهي دوما نقاشه بـ

  • لقد سرت الطريق بمنهجية عقلية سليمة، والحل الوحيد هو المواجهة.

مواجهة مع مصدر دمار مشروعه العظيم، ذهب لزيارة أم صفاء في السجن، عاني حتي ينال موافقة علي زيارتها، حين قابلها في غرفة الزيارة، حاولت ان تحتضنه لكنه ابعدها عنه، جلست منهارة تبكي، عاجلها بالكلمات.

“انا لا أفهم شيئا، وقفت عاجزا امام كل تلك الأحداث، ولا اريد سوي تفسير واحد”.

“التفسير بسيط يا عزيزي ولكنك لا تؤمن بوجوده، لقد احببتك”.

حاولت لمس اصبع يديه، لكنه سحبها مسرعا.

“اردتك لي قبل ظهور هذه الفتاة الصغيرة التي امتلكت عقلك وقلبك، كانت الغيرة تملأ قلبي يوما بعد يوم، وقد تملكتني يوم تركتكما في العش الذي بنيناه انا وانت بكدنا وتعبنا”.

يهم مصطفي بالخروج.

“تقول انها كانت مؤمنة بك؟ ليس بقدر إيماني، فإيمانها قائم علي المعرفة والنقاش وتبادل الآراء، اما أيماني فكان إيمانا اعمي”.

يتراجع مستمعا لها، هل الغيرة هي سبب تدميرها لمشروعه؟

“كان يجب تصحيح مسار هذ الخطأ الشنيع”.

يجلس علي الكرسي محاولا معالجة ما تقوله.

  • “كل هذا من اجل شعور؟”.

تتسارع في عقلة مقارنات فلسفية وافكار اهتزت منذ سجنه.

  • “انا اعرفك، لن تصدق في شيء اثبت عقلك عدم وجوده، لكن هذا لا يمنع وجوده في هذا القلب الذي احبك وضحّي من اجلك، ارجو ان تغادر ولا تعود ثانية هنا، عش حياتك ودعني اتطهر من خطأي ومن حبك”.

احتضنته قبل ان تغادر فوقف كالصنم ينظر لها، لكنه شعر بدفء حزنها وانهي زيارته مصابا بدوار، عاصفة اقتلعت كل يقين اهتز اساسه خلال الفترة الاخيرة، ولم يعد له توازنه الا حين رأي زينه تنتظره امام سيارته المتهالكة، ادرك عند رؤيتها ما كانت تعنيه ام صفاء، فما يشعر به الآن هو ما كان يشعر به في كل مرة تقع عيناه عليها، لكنه كان يخطئ في تفسيره ويقوم ببناء نظريات تسكنه عن محاولة فهم حقيقته.

“هل وجدت جوابا لحيرتك؟”

امسك يدها متحسسا نعومة بشرتها، فشعرت بقشعريرة جسدها واحست انه قد عاد اليها كلياً، احس بها، هذا ليس تفاعلا كيميائيا ناجما عن ارتفاع مستوى الهرمونات بينهما، انه شيء أعمق.

  • إذن؟

يصمت قليلا ليترك اثر الصمت كموسيقي تصويرية تسبق دخول بطل المسرحية علي الخشبة، ناظرا إلي يدها التي يشعر باحتضانها له.

   – “الحب”.

   – مشروع فلسفي جديد؟

   – “بل مشروع قديم يعتمد علي بناء اسرة صغيرة، تحاول ان تبني عالمها الفاضل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

آخر الأخبار